Colonel general
مجموعة: Administrators
رسائل: 826
|
بسم الله الرحمن الرحيم لماذا يحزن الناس؟ للكاتب الإسلامي المصري سيد مبارك تنبيه هام مادة هذه الرسالة وحقوق طبعها لكل مسلم سواء للتجارة أو كصدقة جارية شريطة عدم التعديل فيها إلا بأذن من المؤلف وحقوق التأليف باسمه وينتبه لتصحيح ما يقع من أخطاء أثناء الكتابة والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ----------------------------- مقدمة الكتاب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }( آل عمران : 102) . { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (النساء : 1 ) . أما بعد .. فأن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمداً-صلي الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد.. أخي القاريء في القرن الواحد والعشرين انتشرت الفتن وعم البلاء العباد والبلاد وصار الكثير من خلق الله ينتابهم هموم وغموم وأحزان شتي لا أول لها ولا آخر تعصف بهم في بحر لجي يكاد أن يغرقوا جميعا فيه إلا من رحم ربي. والهموم والغموم والأحزان أمراض قلبية مدمرة للكل مباهج الحياة سواء كان المصابين بها علي طاعة الله أو معصيته لأنه لا فرق بين هم وحزن المسلم التقي وبين هم وحزن المسلم العاصي اللهم إلا في طريقة تقبل كل منهما وتكييف نفسه وعلاجها بالأدوية الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله التي تاخذ التائب منهما إلي شاطيء الامان ولو بعد حين مع الثواب الجزيل لصبره وشكره وطاعته وأعلم أن الكثير قد كتب عن الحزن وعلاجه ولكن لكل كاتب فكره وأسلوبه ,والناس في اعتقادهم وقوة ايمانهم وطريقتهم في التفكير والتأثر والقبول تختلف أختلافاً جذرياً . فقد يتأثر المرء بكلمة يسمعها أو يقرأها , ومن الناس من يتأثر من موقف يراه فيهز وجدانه هزاً فيكون له أبلغ الأثر في تغيير سلوكه من الكلمات التي يسمعها أو يقرأها وهكذا.. علي أننا نأمل أن تكون رسالتنا هذه ذات فائدة وتأثيراً علي البعض منا ليتجاوز أحزانه وهمومه وتعينه علي بلوغ الطريق للسعادة في الدنيا والآخرة بأذن الله تعالي بما نبينه من مفاتيح قلبية لجلاء أحزانه وهمومه.. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين
لماذا يحزن الناس ؟! وهل للحزن أسبابا يمكن أن يتحاشاها المرء ولا تؤثر فيه؟ وأن كان الجواب بنعم فما هي أسهل الطرق وأقواها في الوقاية منه فضلا عن العلاج منه أن وجد؟ -وسؤال آخر هام هل الحزن له تأثير علي حالة القلب وعلاقته بالله تعالي وأن كان الأمر كذلك فماذا يفعل العبد ليعود إلي حالة السعادة والرضا التي كان عليها قبل أن يحزن؟ كل هذه الأسئلة وغيرها جديراً بالمرء أن يدرك أجابتها ليكون علي بصيرة من أمره ولا تنزلق قدميه في هوة مالها من قرار فيخسر بسبب حزنه دينه ودنياه!! وبادي ذي بدء نقول أن اسباب الحزن كثيره ولكن من أعظمها تأثيرا في كثير من القلوب تنحصر دون حاجة إلي بيان في ضعف الإيمان واليقين بالله تعالي يقول ابن القيم في طريق الهجرتين3/ ص74: اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين. ولهذا لم يأْمر الله به فى موضع قط ولا أَثنى عليه، ولا رتب عليه جزاء ولا ثواباً، بل نهى عنه فى غير موضع كقوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ}* [آل عمران: 139]، وقال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُن فِى ضِيقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}* [النحل: 127]، وقال تعالى: {فَلا تأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}* [المائدة: 26]، وقال: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعنَا}* [التوبة: 40]، فالحزن هو بلية من البلايا التى نسأَل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحزَن}* [فاطر: 34]، فحمده على أن أذهب عنهم تلك البلية ونجاهم منها. وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول فى دعائه: ((اللَّهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال)). فاستعاذ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء كل شيئين منها قرينان: فالهم والحزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل فهو الهم. فالألم الوارد إن كان مصدره فوت الماضى أثر الحزن، وإن كان مصدره خوف الآتى أثر الهم. والعجز والكسل قرينان، فإن تخلف مصلحة العبد وبعدها عنه إن كان من عدم القدرة فهو عجز، وإن كان من عدم الإرادة فهو كسل والجبن والبخل قرينان، فإن الإحسان يفرح القلب ويشرح الصدر ويجلب النعم ويدفع النقم، وتركه يوجب الضيم والضيق ويمنع وصول النعم إليه، فالجبن ترك الإحسان بالبدن، والبخل ترك الإحسان بالمال، [وضلع الدين وغلبة الرجال] قرينان، فإن القهر والغلبة الحاصلة للعبد إما منه وإما من غيره، وإن شئت قلت: إما بحق وإما بباطل من غيره. والمقصود أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه. وذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}* [المجادلة: 10]، فالحزن مرض من امراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب المصائب التى يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأْموراً بتحصيلها وطلبها فلا، ففرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليات. ولكن يحمد فى الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن.. على تفريطه وتقصيره خدمة ربه وعبوديته، وأما أن يحزن على تورّطه فى مخالفته ومعصيه وضياع أيامه وأوقاته.اهـ ومن ثم ينبغي علي المسلم ان يكون دائما سعيدا ومبتسماً!! ولاعجب من قولي هذا ولعل في موعظة ابراهيم بن ادهم رحمه الله لرجل وجده حزينًا تدل علي مانريد ان يفطن إليه القاريء..فماذا قال ايراهيم بن ادهم للرجل. - روي أن إبراهيم أبن أدهم وجد رجلاً مهموماً فقال له ياهذا: أني سألك عن ثلاثة فأجب... قال : نعم قال له : أيجري في هذا الكون شيئاً لا يريده الله ؟ قال الرجل : كلا .. قال له : أينقص من رزقك شيئاً كتبه الله لك ؟ قال الرجل : كلا .. قال له : أينقضي من عمرك شيئاً كتبه الله لك ؟ قال الرجل : كلا .. فقال له : علام الحزن أذن! ولا اقصد قطعا ان يكون المسلم قاسي القلب بارداً في مشاعره لايبكي ولا يحزن مما يحزن منه العباد الأتقياء الذين لا تخرجهم احزانهم عن حدود الله تعالي.. كلا , وانما مقصود كلامي عن حزن بعض العباد المتمرد علي القضاء والقدر وضياع تحقيق الشهوات المحرمة في دنياهم الفانية. وأريد هنا تسجيل قصة( )كمثال تبين للقاري مقصود كلامنا ثم نعود للسؤال الذي طرحناه سلفاً ...لماذا يحزن الناس؟ - قال احد الدعاة: كنت في امريكا القي احدى المحاضرات, وفي منتصفها قام احد الناس وقطع عليّ حديثي, وقال: يا شيخ لقن فلانا الشهادتين ،, ويشير لشخص امريكي بجواره, فقلت: الله أكبر, فاقترب الامريكي مني أمام الناس, فقلت له: ما الذي حببك في الاسلام وأردت ان تدخله? فقال: أنا أملك ثروة هائلة وعندي شركات واموال, ولكني لم اشعر بالسعادة يوما من الايام, وكان عندي موظف هندي مسلم يعمل في شركتي, وكان راتبه قليلا, وكلما دخلت عليه رأيته مبتسما, وأنا صاحب الملايين لم ابتسم يوما من الايام, قلت في نفسي انا: عندي الاموال وصاحب الشركة, والموظف الفقير يبتسم وانا لا ابتسم, فجئته يوما من الايام فقلت له اريد الجلوس معك, وسألته عن ابتسامته الدائمة فقال لي: لانني مسلم اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله, قلت له: هل يعني ان المسلم طوال ايامه سعيد, قال: نعم, قلت: كيف ذلك? قال: لاننا سمعنا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (عجبا لامر المؤمن, ان امره كله خير, ان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له, وان اصابته سراء شكر فكان خيرا له) وأمورنا كلها بين السراء والضراء, اما الضراء فهي صبر لله, واما السراء فهي شكر لله, حياتنا كلها سعادة في سعادة, قلت له: أريد ان ادخل في هذا الدين قال: اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. قال الشيخ الداعية: قلت لهذا الامريكي امام الناس اشهد الشهادتين, فلقنته وقال امام الملأ (أشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله) ثم انفجر يبكي امام الناس, فجاء من يريدون التخفيف عنه, فقلت لهم: دعوه يبكي, ولما انتهى من البكاء, قلت له: ما الذي أبكاك? قال: والله دخل في صدري فرح لم أشعر به منذ سنوات.اهـ وهذه القصة تبين لنا بجلاء ان من اعظم اسباب الحزن والهم والغم البحث والهرولة خلف شهوات الدنيا بلا عقل او منطق بحثاً عن سعادة زائفة .. ونعود إلي السؤال ..لماذا يحزن الناس؟ وسؤال آخر كيف نصل للسعادة الحقيقية في الدنيا وماهي سبل ذلك؟ --------------- بادي ذي بدء نقول ان الناس في الأحزان والهموم قسمان: القسم الأول : يحزن علي فوات الطاعات وثوابها لشعورهم بالتقصير والعجز والكسل وما أشبه ذلك. القسم الثاني: يحزن ويغضب لضياع فرصتهم لنيل شهوات الدنيا وكانوا هم أحق الناس بها , وهي شهوات شيطانية فيها خسران الدنيا والآخرة. نعم ..يظن أهل القسم الثاني من الناس ان السعادة الحقيقية في الغني وبعضهم في الشهرة وبعضهم السلطة وهكذا .. وكل هذه الأشياء الدنيوية لاتدوم فهي فانية بفناء الدنيا نفسها أي انها سعادة زائفة وسراب يخدع عيون اصحاب القلوب السقيمة العطشي التي اثملها خمر اللذة والشهوة . فاصبح اصحابها اسري يتخبطون بين دروبها المظلمة وهمومها التي لا تنقطع ,واحزانها التي تهلك النفوس وتدمي الجراح.. وهيهات.. هيهات دوام هذه السعادة لانها تؤدي الي اتيان الفواحش والمنكرات والبعد عن الله ومبارزته بالمعاصي وهذا لا ريب دينيًا وصحيًا يؤدي إلي أضرار نفسية وعضوية سيئة قد تهلك المرء ان اهمل سبل النجاة قبل فوات الأوان, ونقيض ذلك تماما يؤدي الي الصحة النفسية وسكينة النفس وراحة البال لقرب المرء من الله ومناجاته له في كل صلاة والقرب منه بذكره وشكره كما لا يخفي وهؤلاء هم اهل القسم الأول الذين لايحزنهم إلا فوات مايزيد حسناتهم ويرفع درجاتهم في جنة الفردوس . وقد يقول البعض وكيف ندرك السعادة الحقيقية؟ وهاهي الاجابة في السطور التالية.. -----------------------------------تمت الإضافة (2013-03-20, 10:17 AM) --------------------------------------------- البحث عن السعادة الحقيقية: أن البحث عن السعادة الحقيقية في دنيانا هذه تستحق منا العناء مع الفهم الحقيقي لها وليس كل ما يسعد المرء من زينة الحياة الدنيا هو حقيقة السعادة كما ذكرنا انفا قد يقول قائل أن المال يحقق السعادة .. أقول قائل ذلك واهم فأن المال لايجلب السعادة وحده البته لأن المال كما هو نعمة علي المرء فهو أيضاً بلية, ولكن لو رزق الله بعض العباد مالاً كثيرا واستخدم بعضه في مرضاة الله وبعضه في الانفاق علي نفقه واهله وما أحله الله له من الطيبات بلا اسراف او سفه فقد جمع الخير كله وكان من السعداء المصلحين. كما قال تعالي ( وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77))- القصص وكما قال النبي –صلي الله عليه وسلم-: " دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك " . أخرجه مسلم ومن ثم نقول بكل ثقة أن السعادة وراحة البال لا تكون لمن يملك المال أو الجاه أو الحسب والنسب أو مااشبه هذا وذاك, وإنما لابد من راحة القلب والضمير معاً وهذا لن يتحقق إلا بطاعة الله تعالي . ومن ثم ندرك ان السعادة وجلاء الاحزان في ابتغاه مرضات رب الارباب وان كثرة الاحزان والهموم سببه كثرة المعاصي والاثام كما لا يخفي, وبناء علي ذلك يأتي يقيننا بان سبل السعادة الحقيقية والبعد عن الأحزان بثلاث امور علي الأقل.
الأمر الأول :القناعة والرضا البداية الصحيحة: السعادة الحقيقية في الدنيا تبدأ بالقناعة والرضا بما اعطاك الله تعالي ثم بالزهد في الدنيا وادراك حقيقتها بلا تنطع او غلو.. فإن وسوس لك الشيطان بعدم الرضا والقناعة فإن النبي يوصيك أن تنظر إلى من هو أسفل منه حتى لا يغرك الشيطان بالله الغرور وترضى بما أتاك الله من رزق وأن كان قليلا لأنها نعمة يتمنها غيرك ممن هو إسفل منه . وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ ً) مسلم في الزهد والرقائق وليعلم الباحث عن السعادة الحقيقية في دنياه انه في الدنيا بمنزله المسجون عن الوصول إلى شهوته فكما قال النبي ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) -مسلم فإن كنت معدوما وفقيرا فالفقر ليس عيبا لقول النبي (فَوَاللَّهِ لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ) البخاري في الجزية -وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ) مسلم في صفة القيامة ** وهاهو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي-البخاري في الجنائز ومن هذه الاحاديث الصحيحة يتبين لنا أن علي الإنسان فقط أن يلتمس البداية الصحيحة .. وقطعاً سوف يصل لمأربه من شوق للطاعة وزهد في المعصية , و للوصول لراحة البال والضمير ينبغي ايضا للمرء ان يدرك جيداً قبل الشروع في المعاصي حقيقة الدنيا التي يعيش فيها فهذا كفيل بهدم كثيراً من الثوابت العالقة في نفسه وذهنه ,والتي تودي به للسعي الدءوب لتحقيق أحلامه وأمانيه الدنيوية الخادعة, كالسعي للشهرة للتفاخربين الناس, أو الحصول علي المال من أي طريق ,مما يدفعهم دفعاً إلي نسيان أمر العبادة وهي الغاية من وجودهم في الدنيا كما قال تعالي: " ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ (58) "- الذريات ولذلك قال العلماء كلمات حكيمة وهي : انشغالك فيما هو مضموناً لك – من أمر الرزق- .. وتقصيرك فيما هو مطلوباً منك – من أمر العبادة .. دليل علي انطماس البصيرة فيك . , ولا أعني بذلك من يسعى السعي المشروع وطموحاته ايجابية لا تخرج عن حدود الله تعالي, قطعاً لا.. لقوله تعالي : " هُوَ الَذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وإلَيْهِ النُّشُورُ (15) "- الملك
الأمر الثاني: الأختلاط بأهل السعادة الزائفة ونصيحتهم:
وهذا السبيل من الخطورة بمكان ولا انصح به إلا لمن يثق بقدرته علي اجتناب المحرم وقدرته علي النصيحة وظبط النفس , لأن مخالطة اصحاب المعاصي لا تأمن لأن النفس بطبيعتها تميل للمعصية لأنها خفيفة , والنصيحة رغم أن العبد مأمور بأدائها لكن قليل هم من يقدرون علي تبليغها بلا شوائب من هوي يصد عن الحق أو شهوة تحرض عليها النفس الأمارة بالسوء فتهلك الناصح وتعمق جرح المنصوح . مثال علي ذلك من يري اخيه او جاره او احد من اهله أو غير ذلك يتعاطي الخمر والمخدرات ويريد ان ينصحه عندما وجده يشرب الخمر أو يتعاطي المخدرات. أما ان ينصحة وهو مالك لأربه بالحكمة والموعظة الحسنة وأما ان يقدر المدمن الذي يبغي نصحه في تشجيعه علي المحاولة ويعينه علي ذلك نفس الناصح الأمارة بالسوء تحت اعذار اقبح من الذنب نفسه. ومثال آخر ذهبت لصديق لك ووجدته يشاهد فيلماً جنسياً خليعاً فاما ان تغلق الجهاز وتنصحه وأما ان تشاهد معه فيغرك الشيطان ويخرس لسانك عن النصح وتقع أسير شهواتك وغرائزك وتدمن معه المشاهدة لضعف ايمانك ويقينك بالله تعالي .. ومن ثم نكرر هذا السبيل من الخطورة بمكان ولكن نتائجه الطيبة عندما يحدث القبول تزيد من سعادة المرء وتزيد من إيمانه وقربه من الله و, وأن لم تحدث النصيحة أثرًا فأن فائدتها عظيمة أيضا علي نفس المنصوح الذي يدرك نعم الله عليه ورحمته به إذ انقذه من الغرق مع هؤلاء وهؤلاء فلا يفتر لسانه عن الشكر والحمد. وهذه قصة حقيقية تبين لنا دلائل ما ذهبنا اليه والله المستعان.
مشاركة
|